من الأمراض التربوية الجاهلية عدم الاكتراث بالأطفال والصغار والنساء , ووصل الأمر بالجاهليين أن منعوا الأطفال والنساء من الميراث بحجة أنهم لا يقاتلون ولا يدافعون عن القبيلة، أما ميزان العدل في الإسلام فيعطي كل ذي حق حقه , للجنين حقوقه، وللطفل حقوقه وللمرأة حقوقها , وللحاكم حقوقه وللمحكوم حقوقه وهذا ما يجب علينا التأكيد عليه في تربيتنا الأسرية ومناهجنا التعليمية وفي الحديث التالي بيان ذلك:
عن سهيل بن سعد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى شراباً فشرب منه، وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: أتأذن لي أن أعطي هؤلاء.
فقال الغلام: لا والله يا رسول الله لا أوثر بنصيبي منك أحداً , فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده ـ أي: وضع الشراب في يد الغلام ) رواه البخاري ومسلم.
التربية الأسرية في الحديث:
1ـ تقرير حقوق الغلام:
ـ فقد أعطى المصطفى صلى الله عليه وسلم الغلام حقه الذي أعطاه له جلوسه على اليمين ولم يمنعه حقه وجود الأشياخ في المجلس على الشمال، ونزل المصطفى صلى الله عليه وسلم على رغبة الغلام الذي أبى أن يؤثر بنصيبه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً.
ـ وفي هذا درس تربوي علمي إسلامي في تقرير حقوق الغلام يجب أن نبرزه وننبه عليه.
2ـ إعطاء كل ذي حق حقه:
ـ وفي هذا الحديث إقرار عام بإعطاء الحقوق لأصحابها كحق الجوار، وحق الشفعة، وحق المجلس، وحق الأسبقية، وحق المرؤوسين، وحق الصبيان والغلمان، كما قلنا في النقطة السابقة، وحق الوقوف في الطابور، وحق الأسبقية في المراجعة. وهكذا يقرر الحديث المبدأ التربوي العام بإعطاء كل ذي حق حقه.
3ـ تحريم الظلم:
في الحديث حث على العدل وهذا يؤكد تحريم الظلم، والظلم يأتي بإعطاء من لا يستحق , ما لا يستحق وحرمان صاحب الحق من حقه كما قلنا سابقاً , فالعدل يقتضي الانحياز لصاحب الحق حتى ولو كان رضيعاً أو غلاماً أو ضعيفاً أو فقيراً أو صغيراً , وهذا من المحاسن التربوية والاجتماعية التي يجب أن نوكد عليها في حياتنا.
4ـ حق الاستشارة:
فقد استشار المصطفى صلى الله عليه وسلم الغلام في إعطاء الشراب للأشياخ ولم يمنع هذا الحق صاحب الحق، والاستشارة هنا غير ملزمة ولا مُغضبة، فلم يغضب المصطفى صلى الله عليه وسلم عندما صمم الغلام على حقه وأبى أن يتنازل عنه.
5ـ الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
ـ فالغلام لم يتمسك بحقه أنانية أو إنقاصاً لحق الأشياخ ولكن حبّاً في المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال: لا والله يا رسول الله لا أوثر بنصيبي منك أحداً، ومن هنا لم يحرم المصطفى صلى الله عليه وسلم من حقه بحبه إياه , وهذا درس لمن ينقصون أحبتهم حقوقهم اتكاءاً على رصيد المحبة المانع من الغضب والكاظم له والمانع من التعبير عنه.
6ـ احترام الرأي الآخر:
فقد احترم المصطفى صلى الله عليه وسلم رأي الغلام رغم أنه كان يود إعطاء الأشياخ ولكن احتراماً لرأي الغلام نزل الرسول صلى الله عليه وسلم عن رأيه , وفي هذا منع للجاهلية في الرأي والتسلط وعدم الحرية , وهذا ما عانت منه المجتمعات العربية في الجاهلية وما زالت آثار ذلك باقية متوارثة.
7ـ اتباع النظام:
ـ فمن النظام الإسلامي أن نبدأ بأهل اليمين , وهذا مبدأ نظامي إسلامي عمل به المصطفى صلى الله عليه وسلم فسأل الغلام أولاً واتبع النظام ثانياً.
8ـ احترام القانون وتطبيقه:
نتعلم من الحادثة أهمية احترام القانون الشرعي وتطبيقه فنحن نعاني من مخالفة واضعي القانون للقانون، ومن مخالفات حماة القانون، ومن بحث المشرعين في القانون عن ثغرات للتفلت من القانون ومخالفته , وهذا ما يعيب القوانين الوضعية حيث نفصل القوانين على الأهواء تفصيلاً.
9ـ احترام حقوق المحكوم:
الحديث يقرر احترام الحاكم لحقوق المحكوم، فلم يمنع الغلام إبداء الحاكم رغبته في إعطاء الأشياخ وعندما تمسك الغلام ( المحكوم ) بحقه أعطى له.
تربية واجبة:
يجب علينا تربية أنفسنا وأبنائنا على هذه المبادىء العظيمة التي تضمنها الهدي النبوي في التربية الأسرية.